الكل يعلم الدور التي تلعبه الجامعة في ترسيخ مجتمع المعرفة المبني على الإنتاج المعرفي وليس كمستهلك لها. فالجامعة تعد من المراكز المهمة في إنتاج نخب مثقفة قادرة على بناء مشروع فكري واضح المعالم، ومد الدولة بعلماء في شتى ميادين العلم والمعرفة ذات كفاءة تسمح لهم بالمساهمة الفعالة في بناء مجتمع مستقل اقتصاديا واجتماعيا وسياسيا.
فحسب بعض المهتمين بالحقل الجامعي الذين يؤكون أنه من الصعب الوصول إلى مجتمع المعرفة، في الوقت الراهن، نظرا لعوامل ذاتية وموضوعية، منها عدم وضوح الرؤية بشكل دقيق تتيح بتكوينات تلائم سوق الشغل المحلي بعيدا على البرجماتية السلبية المبنية على المصالح الخاصة، و التدخل الخارجي الذي يفرض شروطه التي تخدم فكره الامبريالي.
يكفي للمرء أن يتجول داخل فضاءات بعض الكليات ليكتشف العبث الذي أصاب التعليم الذي كان من المفروض أن يكون فضاء للعلم والمعرفة والتبادل الثقافي والفكري من أجل تكوين طالب مشبع بمجموعة من مهارات تؤهله ذاتيا، قادرا على الإنتاج والمساهمة في تأطير الخلف، وكل هذا من أجل تحقيق مجتمع المعرفة، القادر على مواجهات تحديات عالم العولمة المتوحش، لكن على ما يبدو أن القائمين على الشأن التعليمي ببلادنا لا يهمهم إلا المناصب والتعويضات السمينة، والسفريات بإسم البحث العلمي وتبادل التجارب والخبرات مع دول تبعد عنا بسنوات ضوئية.
في هذه الأيام تسابق الوزارة الوصية الزمن من أجل تسويق وتنزيل مضامين الإصلاح الجديد الرامي إلى اعتماد نظام بكالوريوس بدءا من الدخول الجامعي المقبل. لكن السؤال الذي يطرحه العديد من العارفين بخبايا التعليم العالي هو: هل نظام البكالوريوس قادر على تغيير الوضع المتردي الذي تعاني منه أغلب الجامعات من اكتظاظ وضعف تكوينات، وتخريج أفواج من المعطلين؟.
فجل الكليات تعرف اكتظاظا يصعب معه ممارسة الفعل التعليمي الأكاديمي في ظروف جيدة، فضلا عن بعض التكوينات التي لم تعد ترقى إلى متطلبات الحياة العملية، إلى جانب عدم جدية أغلب طالبي العلم الذين لم يتربوا على البحث منذ المدرسة الإبتدائية بشكل جيد.
وفي خضم التعريف بمزايا نظام البكالوريوس من طرف الوزارة المعنية، عبر مجموعة من أساتذة التعليم العالي عن رفضهم لهذا النظام نظرا لعدم إشراكهم في بلورة تصور إصلاح جامعي يعيد للجامعة مكانتها الطبيعية، وأن الجهات الداعية لهذا النظام قلصت من عدد الوحدات المعرفية الأساسية بدعوى أنه يجب على الخريجين إمتلاك اللغات والمهارات الذاتية. وتساءل البعض منهم، فهذه التكوينات في الواقع يجب أن يتلقاها الطالب في الأسلاك السابقة، وفي المقابل هناك أساتذة جامعيين اعتبروا هذا النظام له إيجابيات كثيرة منها ملائمة التكوينات مع متطلبات سوق الشغل.
في ظل هذا التجادب والنقاش، فالسؤال الذي يطرح نفسه هو؛ هل فعلا هذا النظام سينجح في إعادة هيبة الجامعة المغربية كفضاء معرفي ثقافي خالص، أم سيكون مصيره مصير الإصلاحات الأخرى؟.
وعلاقة بالموضوع قال الأستاذ الجامعي والبيداغوجي عبد الجليل أميم في تصريح خص به جريدة “20 دقيقة”، أن الإصلاح الجامعي يتطلب رؤية تركيبية ترافقه مجموعة من الإصلاحات ذات طابع سياسي واجتماعي واقتصادي، باعتبار الجامعة ليست لوحدها مسؤولة على تقدم البلد بل هناك مؤسسات أخرى.
وأضاف الأستاذ الجامعي أن نظام البكالوريوس لم يأتي بجديد، لأن الجديد يأتي بأشياء غير مسبوقة. حتى مواد المهارات الحياتية التي جاء بها النظام في اعتقاد البعض كانت في النظام القديم، ويضيف أنه قد درسها في وقت سابق وتشمل التواصل والثقافة.
ويشير الجامعي أميم في حديثه إلى مشكل ضعف اللغات لدى الطلبة، إذ يرى أن هذا المشكل يجب إصلاحه في المدرسة الابتدائية والإعدادية والثانوية وليس في الجامعة باعتبار أن الزمن الدراسي المخصص لها لا يتعدى ساعات وهذا غير كافي لجعل الطلبة متشبعين باللغات.
وأردف المتحدث نفسه إنه قد يكون لنظام البكالوريوس إيجابيات إذا كان في إطار شمولي تصاحبه تغييرات في الرؤية والبرامح والأهداف والاعتناء بالموارد البشرية المتخصصة التي تشتغل على ضعف الطلبة وتكوينهم تكوينا يجعلهم قادرين على قيادة هذا البلد.
في الختام يؤكد الأستاذ الجامعي أميم أن كل هذه الإصلاحات التي يشهدها قطاع التعليم تعبر على حركية المسؤولين والشعب في إيجاد حلول لمشاكل الوطن.
20دقيقة/حاوره:خالد الشادلي