لمن سأوجه الدرس/المحاضرة؟
مقتضى هذا السؤال أن يطرح الأستاذ الجامعي على نفسه سؤالا مفاده: من أستهدف بالمحتويات والطرق والمنهجيات والوسائط التي وقع اختياري عليها؟
وهذا السؤال مبني على مسلمة بيداغوجية/ديداكتيكية مفادها:
أن المستهدفين أنواع، وأعمار، ومستويات، وثقافات، والفعل الديداكتيكي مرتبط بالمستهدف به في طرقه وإجراءاته وأشكال تخطيطه. وعلى أستاذ التعليم العالي أن يدقق في الاختيار ليوافق المستهدف به. فكل فعل تدريسي لا يراعي نوعية وخصائص المستهدف به فعل مخالف لقاعدة ديداكتيكية رصينة، وعليه يغدو فعــلا مدخولا وناقصا من جهة الفئة المستهدفة به.
إن الاستثمار في هذا الأمر في بداية التجربة التدريسية في الجامعة، يكون له أثر بالغ على المدى الطويل حتى ولو كان هذا الاستثمار مرتفعاً ومكلفا في البداية.
إن طلبة الفصل الأول والثاني، يحتاجون إلى الدعم والتحفيز والتوجيه بيداغوجيا، ويحتاجون إلى تخطيط ديداكتيكي يستهدف استدراجهم لاكتساب المفاهيم المركزية في التخصص الذي وقع عليه اختيارهم، وعليه، يكون الهدف من الدروس والمحاضرات هو تنمية الكفايات المعرفية، والمنهجية، والاجتماعية، والذاتية. فطبيعة المبتدئ قلقة، وربما تائه أو خائف، زد على ذلك كثرة المعلومات، وتشعب المواد الدراسية، وقلة المراجع، ونظام تقييمي صارم جدا، وصعوبة المفاهيم وتجريدها، والحالة النفسية الجديدة وهي الانتقال من وضع التلميذ إلى وضع الطالب، هذا كله مع انعدام التوجيه من طرف الشعب والمسالك والكليات، فإن ذلك كله سيلقي بثقله على الطالب وخصوصا على الأستاذ بيداغوجيا/ديداكتيكيا من أجل تطوير درس مفهوم وعميق يستدرج هؤلاء الطلبة الجدد، فإن لم يوفق الأستاذ في ذلك تأثرت عملية التدريس والاندماج والتطوير بشكل كبير.
إن هذا المستوى الذي يوجد فيه الطلبة نسميه بمستوى الابتداء أي أن الغاية منه إطلاع غير ملامس لمجمل نواحي المادة المعرفية أو الحرفة أو المهنة أو المجال. ومن خصائصه أنه سهل التحصيل بالمقارنة مع المستويات التي تليه، لكنه بالنسبة للطالب الجديد تجربة معرفية واجتماعية وإدارية ونفسية خاصة وتحمل مشقة عالية، وهو من حيث الترتيب سابق على غيره من المراتب، ومن حيث الأهمية ضروري للبناء عليه وتعميقه لذلك فالتخطيط المحكم المركب لهذه المرحلة جد مهم، خصوصا وأن نسبة عالية من الطلبة تغادر الكليات في فصلها الأول أو الثاني نظرا لعدم تكيفها مع واقع الكليات ومتطلباته التي فيها كثير من عدم الاحترافية البيداغوجية وإن احتوت على احترافية علمية عالية.
الدكتور عبد الجليل أميم: في البيداغوجيا الجامعية وديداكتيك التعليم العالي. الكفاية الأكاديمية. رؤية مركبة