لو أردنا بالرجوع إلى Kron النظر في الأبعاد التي ارتبطت بحقل الديداكتيك والتي يمكن استلهامها من سيرورته التاريخية لقلنا ما يلي :
دل النظر والممارسة الديداكتيكية عبر التاريخ على أهمية:
– الوسائط : ذلك أن التعليم والتعلم لا يتمان إلا عبر الحواس.
– شكل الدرس : التدريس يتم في سياقات اجتماعية مختلفة تستدعي مراعاتها أثناء بنائه.
– ترتيب وتجويد الدرس : التعليم والتعلم يتمان عبر إيقاعات مختلفة وجب استحضارها.
– المنهاج : التعليم والتعلم يبعث الحياة في الأشياء والرموز الثقافية والاجتماعية.فالمنهاج تجل حي للثقافة.
– سيرورة التكوين : التعليم والتعلم يتحدد بناء على سيرورات البناء الذاتي للأفراد.
– النظريات والنماذج الديداكتيكية للفعل الديداكتيكي : التعليم والتعلم يخضعان للنظر والتحقق العلمي.
إن الديداكتيك إذن هو الحقل المعرفي الذي يعمل على توظيف وترتيب كل ما سبق ذكره، زيادة على البحث فيه.
ورغم التعريفات التي تناولناها فسأستمر في عرض بعض الدلالات التي يحيل عليها مفهوم الديداكتيك، حيث نجد أن مصطلح الديداكتيك يحيل على الدلالات التالية :
– فعل التدريس، والتلقين، والتوجيه، والإرشاد.
– يحيل على الأشخاص الذين يقومون بالأعمال الديداكتيكية: مؤهلاتهم، وتكوينهم وشخصياتهم والمقصود هنا كل من يوصل معرفة بخلفية علمية وخصوصا الأساتذة.
– يحيل على المضامين وعلاقتها بفعل التدريس.
– يحيل على وسائل التدريس.
– يحيل على طرق التدريس ووسائطه.
– يحيل على المدرسة والقسم التي يتم فيها التدريس.
– يحيل على التعلم وهو الفعل الذي يأتيه المتعلم.
ونورد تعريفا طريفا وبسيطا ودقيقا للديداكتيكي الأول في الغرب Comenuis يقول فيه :
“الديداكتيك هو الفن الكامل الذي من خلاله نُعلِّم كل الناس كل الأشياء ، إن الهدف الأول والأخير للديداكتيك هو: تتبع طريقة التدريس من جهة، وكذلك استكشاف أو اكتشاف الطريقة التي تمكن الأستاذ من بذل جهد أقل ، وتمكن التلميذ من التعلم أكثر من جهة أخرى.”
وعموما فإن الديداكتيك حسب فهمنا التركيبي باعتباره حقـــــــــلا من حقول البيداغوجيا يتناول ثمانية أسئلة مركزية ، وهي كالتالي :
- ســـــــــــــــؤال: مــــــــــاذا ؟:
ويتناول المدرس من خلاله الإجابة عن سؤال: ماذا أُدرس؟ أي ما هي المضامين التي علي أن أوصلها إلى المتعلمين؟
إنه سؤال يحمل المعلم مسؤولية النظر في المضامين واختيار أجودها، وأجودها هو ما يتوافق مع المنهاج المقرر، ويستجيب لشرط التحيين، ويفي بالأهداف المسطرة.
- ســـــــــــــــــــؤال: كيف ؟
يدفع هذا السؤال المدرس إلى الإجابة عن تساؤلات منهجية بالأساس ومقتضاها: ما هي المنهجيات التي سأتبع لإيصال محتويات درسي؟ ما هي الوسائط التي علي أن أستغلها؟ كيف سأنظم طريقة إيصال المحتويات ليحصل النفع وتتحقق الأهداف المسطرة في المنهاج؟
إنه سؤال يحمل المعلم مسؤولية منهجية بدءا بأول نشاط إلى آخره، وعليه فإن فيه بعدا استراتيجيا وابستيمولوجيا ومنهجيا.
- سؤال: ما الهدف والغاية؟
ما هي الأهداف التي أبتغي تحقيقها من خلال درسي هذا ومضامينه المتنوعة؟
سؤال يحمل الأستاذ مسؤولية معرفة أهداف درسه، وتفكيكها وضبطها حتى يتمكن من معرفة مدى تحققها.
- ســـــــــــــــــــؤال:لِماذا ؟
ما هي العِلل أو الأسباب الثاويــــــــــــــــــة التي تؤسس لاختياراتنا المنهجية وتشرعن لتخطيط درسي وترتيب خطواته على النهج الذي أسلكه ؟
سؤال يضع المدرس أمام مسؤولية تبرير اختياراته المنهجية علميا. فالتدريس مثل البحث العلمي، سلسلة من اتخاذ قرارات مبررة، لأن الأمر لا يحتمل العبث والتشهي في التعامل مع النفوس.
- ســـــــــــــؤال: لِمَن ؟
مقتضى هذا السؤال أن يطرح الأستاذ على نفسه سؤالا مفاده: من أستهدف بالمحتويات والطرق والمنهجيات والوسائط التي وقع اختياري عليها؟
وهذا السؤال مبني على مسلمة بيداغوجية مفادها: أن المستهدفين أنواع، وأعمار، ومستويات، وثقافات، والفعل الديداكتيكي مرتبط بالمستهدف به في طرقه وإجراءاته وأشكال تخطيطه. وعلى المعلم أن يدقق في الاختيار ليوافق المستهدف به.
- ســـــــــــؤال: أين أنــــــا ؟
أين أتواجد أنا ودرسي؟
يوجه هذا السؤال المدرس إلى الحقيقة الاجتماعية أو السياق الاجتماعي والثقافي والمجالي للدرس (المدينة القرية). فالفعل الديداكتيكي فعل في المجتمع، والمجتمع مركب، بل نسق تتفرع عنه أنساق فرعية متعددة وجب استحضارها أثناء التخطيط، والتدبير والتقويم.
ســــــــــــــــــــؤال: مَتَى ؟
في أية فترة من النهار أدرس؟ في أية فترة من السنة؟
يساعدك طرح السؤال على التخطيط والتدبير والتقويم بمراعاة تامة للإيقاعات البيولوجية والنفسية والاجتماعية للمتعلمين. فالفعل الديداكتيكي فعل في زمن ما، مع إنسان ما، في سياق ما، مجال ما. ولا اشتغال خارج حقيقة الوجود الزماني والمكاني .
- ســـــــــــــــــــؤال: مَنْ؟ وبالضبط: سؤال : من يقوم بماذا؟
المقصود هنا : أن تحدد أدوارك، أدوار التلاميذ أثناء تخطيطك وتدبيرك بشكل يستجيب للأهداف المتوخاة من جهة، ويجعل الدرس ناجحا وممتعا ومرحا من جهة ثانية، فلا تَعَلُّمَ لنفوس تتألم. وأنت لست من يبني الدرس لوحدك بل تلامذتك أيضا معك في هذا البناء.
لقد سبق أن بسطنا في مؤلفنـــــــــــــــــــــــا السابق بأن الديداكتيك فرع من فروع البيداغوجيا. وعليه فإن كثيرا من خصائص الفعل البيداغوجي نجــــــــــــــــــــــد تجلياتها في الفعل الديداكتيكي. فالبيداغوجيا تخترق الديداكتيك طولا وعرضا، كما أن الحقول المعرفية التي تؤسس للفعل التربوي عموما هي نفسها التي توجه و تؤسس لــــــــــــــــــــفروعه، ومن ضمنها فرع الديداكتيك. ولأن الديداكتيك فعل تربوي فهو بذلك فعل مقصود، هادف، منظم، إيجابي واختزالي.
أما الحقول المعرفية التي نؤسس من خلالها للفعل الديداكتيكي فهي نفسها الحقول التي نؤسس من خلالها للفعل البيداغوجي على العمــــــــــــــــــــوم.
لكن أهم ما يمكن إيــــــــــــــــــــــراده هنا هو أننا لا نفرق فقط بين الديداكتيك العام والديداكتيك الخاص. بل إن التطورات العلمية المختلفة، والتفريعات التي عرفتها العلوم جعلت الباحثين يتحدثون خصوصاً في الرقعة الجرمانية عن خمسة (05) أنواع من الربـــــــــــــــــــــــط بين الديداكتيك والحقول العلمية التطبيقية ، وسبق أن أشرت إلى أننا أضفنا ربطا آخر تم تغييبه وهو ديداكتيك محو الأمية.
*مدخـل إلـى البيداغوجيا أو علوم التربيـة. رؤية تربوية مغايــــرة
في التأسيس لديداكتيك السياقات المغربية المركبة.. الجزء الثانـي
النظريات والنماذج الديداكتيك، للدكتور عبد الجليل أميم
- الكتاب موجود بمكتبة تفناغ مراكش قرب الحي الجامعي.
د. عبد الجليل أميم/ نور السلام بريس